الاستثمار في الرياضة
منشآتهم ومنتخباتهم في الاتجاه الصحيح وكرتنا تنتظر رصاصة الرحمة من الفيفا
عبدالحكيم عامر
تجتذب النهضة العمرانية والاقتصادية الهائلة التي أحدثتها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة اهتمام رؤوس الأموال والشركات العالمية الكبرى وآلاف السياح الأجانب.
وقد اثبت الأشقاء إنهم أصحاب عقول تجارية ممتازة إذ استغلوا ذلك أحسن استغلال على الرغم من الاعتقاد السائد، بأن تلك الشركات العالمية التي تقوم بمشاريع عملاقة هناك، لا تفيد البلد بقدر ما تُفرِغ أمواله لصالحها.
قد يحيد بنا الموضوع عن هدفه الرياضي، إن خضنا اكثر في مجال الاقتصاد، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن موضوع الاستثمار في المشاريع والبنى التحتية الرياضية قد أصبح واحدا من أهم إيرادات الدولة في الإمارات، فعقب بطولات التنس والغولف واليخوت وبطولة كاس العالم بكرة القدم الشاطئية وبطولة العالم بالـ (فورمولا وان) والتي بنت من اجله الإمارات المضمار الأروع في العالم. هناك اتجاه الآن لاستثمار امتلاكهم لواحد من اعرق الأندية الانكليزية، فقد بدا جلياً أن المالك الجديد لنادي مانشستر سيتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان قد قرر إفادة بلده بالاستثمار الجديد على أتم وجه.
كان باكورة ثمرات استثمارهم هذا تلك المباراة الودية التي خاضها المنتخب الوطني الإماراتي ضد فريقهم الجديد رافعين شعار منتخبنا ضد فريقنا، المباراة كانت متعددة الفوائد إذ جدد المدرب الصربي كاتنيج في كل صفوف فريقه الإمارات فأشرك سبعة لاعبين من المنتخب المشارك في نهائيات كاس العالم للشباب التي أقيمت في مصر. لم يخيب هؤلاء أمل مدربهم حيث كسبوا اللقاء بهدف وحيد. ويتوقع الإخوة في الإمارات انه لن تمر فترة طويلة قبل أن يروا عددا من لاعبيهم وهم ينتظمون في صفوف النادي الانكليزي أو في الأقل ضمن فرق الفئات العمرية فيه، هذا فضلا عن الفوائد المالية لعوائد الإعلانات والأسهم التجارية وإيرادات ملعب النادي وغيره.
وتوفر الخدمات الإدارية والتطور التقني والمرافق الحديثة جدا في مختلف إمارات الدولة أجواءً ملائمة تغري بزيارتها واستغلالها وقد دأبت أندية انكليزية عدة، لاسيما نادي مانشستر يونايتد، ومنذ نحو ست أو سبع سنوات على إقامة معسكرات تدريبية شتوية هناك في الإمارات استعدادا للمرحلة الثانية من الدوري الانكليزي الممتاز الذي يتوقف في كانون الثاني. بكل تأكيد أن استغلال ملاعب الأشقاء وتواجد نجوم الكرة العالمية قريبا من الأندية الإماراتية سيعود بالفائدة الأكبر على الأخيرة وعلى تطور مستوى اللعبة لديها.
ما يثير الاهتمام في التجربة الإماراتية، في كرة القدم تحديدا، هو حرصهم على ملاقاة واستضافة أفضل الفرق العالمية مستبعدين تماما مبدأ الخسارة، فاستضافوا البرازيل قبل نحو عامين والأرجنتين وخسروا بالثمانية والثلاثة ثم استضافوا منتخب ألمانيا هذا العام الذي زرع هو الآخر ثمان كرات في مرمى اهل الدار.
وها هي دول خليجية أخرى تحذو حذو الإمارات، فالمنشآت الرياضية في قطر تستعد لاستقبال كأس العالم عام 2022 ، ويستأثر ملفها لاستضافة الحدث باهتمام دولي كبير، فيما يواصل منتخب قطر السير بخط متواز مع الجهود الإدارية لاتحاده الساعي لمقابلة المزيد من المنتخبات الجيدة، فلاعبوا كرواتيا والكونغو وسلوفينيا وغيرها، خسروا وفازوا وتعادلوا، غير أن فريقهم استعد امثل استعداد لكأس أمم آسيا التي ستحتضنها قطر عام 2011 وكلل تلك الاستعدادات بالفوز على نظيره منتخب باراغواي في باريس، والفوز يحمل في طياته كثير من المعان، فقد جاء على حساب فريق لاتيني كبير أحرج البرازيل والأرجنتين وتأهل معهما إلى نهائيات كاس العالم في جنوب إفريقيا 2010 ،واختتموها بمقابلة بلجيكا.
لا تقف عمان هي الأخرى بعيدة عن التجربتين الإماراتية والقطرية وتحث الخطى للحاق بهما، فالتوسع في مجال الاستثمار الرياضي والإنشاءات تجري على قدم وساق، وتجري معهما، وبخط متواز كذلك، استعدادات مماثلة للمنتخب العماني، مباشرة عقب فوزه بخليجي 19، حيث التقى منتخبات أوربية كبرى هو الآخر وتعادل مع كوريا الجنوبية والتقى منتخب مصر بطل افريقيا بكامل نجومه واستقبل نجوم (السيليساو) البرازيل.
تستدعي هذه التجارب وفي مقدمتها الإماراتية وقفة جادة من قبل حكومتنا الرشيدة، فالثورة العمرانية الهائلة والاستثمار في الرياضة في دول الخليج هما بدعم حكومي بحت وبتخطيط متوازن ومنسق بينها وبين اتحاداتها الرياضية، وهنا يتمثل الفرق بيننا وبينهم.
يجب أن يعي مسؤولونا، كم كان مقدار خسارتنا الكروية هائلا بدون استثمار أو حتى دعم مالي بسيط، تراجع كبير في مستوى منتخباتنا، نجاح كبير لمسلسل الإخفاق في التأهل لنهائيات كاس العالم، فشل حتى على المستوى الخليجي، حرمان للأندية العراقية من المشاركة في دوري أبطال آسيا لابتعادها كلية عن شروط الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وعدم وجود الاحتراف التام فيها، لا استثمار رياضي في أنديتنا في خضم تصارع نجومنا السابقين للاستئثار برئاسة مجالس إداراتها، فضلا عن ذلك، تواصل الصراع على المناصب في اتحاد الكرة، تغييب للمنتخب الوطني كان سيستمر لولا أننا تلقينا ولله الحمد دعوة للمشاركة في بطولة الإمارات الودية. أيُ غيابٍ للتخطيط والدعم المالي نعاني! ويا له من إخلاص في العمل ووطنية نشهد!
ألا يثير في النفس غصة ومرارة أن الكل يسير بالاتجاه الصحيح في الوقت الذي تناظر كرتنا بعين كسيرة لما ستسفر عنه المفاوضات مع الفيفا بشان قرار التجميد، كمن يحتضر وعينه ترنو إلى جلاده منتظرا رصاصة الرحمة.