السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوم في بالكلية، كان يمضي"حسام" يومه بلمكتبه ليجد اكثر المصادر المتاحه لبحثه..
فهذه اخر سنة له و عليه ان يبذل كل طاقاته لأجل ان يحصل على معدلات جيدة..
شعر بالحر الشديد.. وخرج واشترى عصيرا ليطفيء لهيب العطش داخله..
وعندما رجع للمكتبه انتبه لفتاة كانت جالسة بمكانه ومنهمكة بقراءة كتبه
كانت الفتاة محجبة بشكل كامل..
ملابسها عصرية ومحتشمة و ربطتها شدت بكل فخر واتزان.. وشعر بالاحراج.. كيف يكلمها.. وهو يحاول ان يأخذ كتبه ليلحق محاظرته..
" عفوا اختي" قالها بترردد واضح
"نعم؟" ادارت وجهها له متسائلة وتلاقت اعينهما..
اندهش لجمال وجهها الهاديء المطمئن و عيناها الخضراوتين الساحرتين
" انا اسف.. لكني استعرت هذه الكتب من المكتبة..
ولدي محاظرة الآن.. وعلي ان اقدمهما للأستاذ و"
"اوه.. انا اسفة!" قالتها وقد اكتست خداها بحمرة الخجل وقامت من الكرسي
اخذ كتبه و قال لها " اختي ، عندما اكمل محاظرتي سأتي للمكتبة مرة اخرى واعطيها لكي"
" لا شكرا، لا داعي لذلك"قالت ذلك وغادرت المكتبة
و شعر ببعض تأنيب الضمير..
ياترى هل ازعجها ..
بعد انتهاء محاضراته ذهب الى مسجد الكلية ليصلي.. وهناك.. عندما
اكمل صلاته لاحظ الفتاة نفسها التي التقاها خرجت من مسجد النساء.. وهناك..
شعر بجمال روحها
انتظرها اليوم التالي ، كان يشعر بانه يعرفها من زمان جدا..واخيرا بعد انتظار طويل رأها و سلم عليها..
وردت السلام وهي تحدق بقوة في عينيه..وقالت بحزم "نعم يا أخ؟"
"هذه الكتب التي كنتي تطالعيها..
كلها هنا..اذا تحبين أن تطلعي عليها "
"لا شكرا" قالتها بحزم وتركته.. شعر بتأنيب الضمير مرة اخرى.. هل هو ضايقها بأي شي؟
في تلك اللحظة اراد ان يقول شيئا لها..
فانه لا يريدها ان تفهمه غلط لانه شاب ملتزم
لكن قبل ان يتكلم اذا تتصاعد
طلقات الرصاص المعتادة قرب الكلية و شرع الطلاب يحتمون داخل المبنى
وازدحمت الكلية بالفوضى التي حصلت وخاصة تكاثفت طلقات الرصاص اكثر
شعر "حسام" بقلق وهو يبحث عنها بعينيه..
فقد اختفت بالفوضى.. هل هي بخير.. هل استطاعت ان تدخل للكلية؟
بدأ يبحث عنها وشعر بانها ليست على ما يرام..
وقرران يخرج من المبنى يبحث عنها
ووجدها خارجا محتمية خلف جدار المبنى
" هل انتي بخير؟" سألها
وقبل ان تجيب تصاعدت طلقات الرصاص مرة اخرى
واحتميا خلف الجدار وهو يحاول ان يطمأنها بكلمات لا تسمع حتى!
وبعد قليل ساد الهدوء و سمعا خطوات تقترب ..
لا يعلمون هل هي لأرهابيين ام للشرطة
وبدأ "حسام" يفكر بسرعة.. و
قال للفتاة" ساخرج انا اولا فلو كانوا الشرطة فلن يؤذوني وسنكون بأمان
فاخرجي انتي ايضا ولكن لو..لو اطلقوا علي الرصاص فهذا يعني انهم ارهابيين
وانتي اغتنمي الفرصة واهربي الى داخل الكلية!" اندهشت الفتاة وقبل ان تنبس
بأقل كلمة خرج حسام ببطء وهو ينطق الشهادتين بصوت خافت جدا
وعندها اقتربت منه الشرطة وطمأنته فأرتاح..
وهو لا يصدق بأنه يتنفس مرة اخرى
اخبره احد الشرطة بانه تم القبض على الارهابيين قبل دخولهم.. فارتاح.. وانتبه للخلف فلم يرى الفتاة..
على الأقل انه يعلم انها في أمان الآن
في اليوم التالي رأها و سلم عليها وسألها عن صحتها
" صحتي لا تعنيك في شيء" قالت الفتاة بحزم شديد
حدق بها حسام بدهشة وقال " شكرا لموقفكي النبيل بأن تشكي بي وبنواياي لاني اسأل عن صحتكي وانا اسف ولن ازعجكي اكثر"
ومشى بعيدا لكنه توقف عندما سمعها تقول بندم " انا اسفة" حيث تذكرت موقف البارحة
ادار وجهه اليها.."انا لست انسانا سيئا فانا مسلم ملتزم و يؤلمني ان تظني بي سوءا"
ولم ترد..كانت مشوشة التفكير قليلا..
فهي فتاة قوية جدا بشخصيتها ولا تسمح لأي احد ان يكلمها ببساطة.. لكنها تذكرت موقفه البارحة.. وكانت تشعر بشعور غريب بالأمان معه..
لكنها استبعدت هذا الشعور واعتبرتها اوهاما.. لكنه الان عندما رد
عليها شعرت بذنب كبير.. حيث انه عرض نفسه للخطر لأجلها..وهي تعامله بهذا
الجمود
عندها.. كسرت حاجز الصمت اخيرا وقالت "شكرا على البارحة"
" لا شكر على واجب, فانا مستحيل كنت اسمح لأي شيء ان يؤذيكي"
حدقت به بحدة مرة اخرى
" ماذا..
هل ستشكي بنواياي مرة اخرى؟" سكتت الفتاة.. كانت تعلم بانها في قرارة
نفسها لا يجب ان تكون معه قاسية هكذا..كانت تحدق بعينيه وتشعر بأمان..
لكنها عنيدة..
"عموما
انا لن ازعجكي اكثر .. والان من رخصتكي" وذهب وهو يشعر ضيق وحرج.. وتوجه
الى المسجد.. ملاذه من العالم والناس وكل شيء .. ليلقي بهموم دنياه بعيدا..
و يسمو في عالم جميل منسجم مع نقاء الروح ونصاعتها
كانت الفتاة غارقة في افكارها وتتمشى عندما انتبهت الى "حسام" داخل مسجد الكلية من النافذة
كان يصلي بكل خشوع.. وهنا.. رأته جميلا.. جميلا جدا وهو واقف بكل خشوع بين يدي ربه..
اعجبها منظره وهو شاب قوي يصلي بكل قلبه وروحه..شعرت بأمان اكثر ناحيته
بعد مدة لم تظهر الفتاة .. وكان حسام يشعر بقلق شديد نحوها.. فهو يشعر بشيء غريب يشده نحوها..
اعجب كثيرا بالتزامها لكنه كان يشعر بأن لافائدة لهذا الشعور..
فحاول ان ينسى
حتى ظهرت بعد عدة ايام في الكلية .. وانفرجت اساريره بفرح لكنه.. لم يذهب ليسلم عليها..
لم يكن يريد ان يضايقها
وكان في المكتبة كعادته عندما سمع صوتها وهي تسلم عليه
اندهش وأدار وجهه.. انها
هي!! حقا!! رد عليها السلام و قال " كيف صحتكي.. وارجوكي ان لا تفهميني
غلط!" ابتسمت و شعرت بأمان..لتكلمه اكثر واكثر..
اخبرته بأسمها " ندى" وتعلقا ببعضهما البعض اكثر واكثر.. كان حبهما طاهرا ونقيا وبريئا جدا
لم يكن يتحمل "حسام" الأيام..
فقد كانت اسعد اوقاته عندما يراها بالصدفة بالمكتبة و بقية الاوقات كان يشعر بثقل الزمن ومرارته من دونها
قرر ان يصارحها..اخبرها بحبه..
وتفاجأت بكلامه واخبرته " كيف تكلمني هكذا"
الاتزالين لا تثقي بي!! انما قلت هذه الكلمة لأنه أصدق كلمة عرفتها بقلبي وفوئادي"
" انا اثق بك لكن"
" ندى.. انا احبكي كثيرا"
واحمرت وجنتي ندى.. "حسام ارجوك"
"ندى اريد ان اتشرف وأطلب يدكي..هل توافقين؟"
صمتت ندى بدهشة.. او بمفجأة الفرح..
" لم ارى في حياتي بنت بجمال روحكي وقلبكي والتزامكي..
احببتكي بكل كياني.. أنتي فقط يا ندى.. هل تصدقيني؟"
"حسام.."
"ندى..أنا..حقا احبك, هل انا اعني لكي نفس الشي؟"
"حسام كفى"
سكت حسام .. وشعر.. بحرج و ألم..هل يكون شعوره من طرف واحد..
" انا اسف ندى.. الظاهر باني لست من ترديه.. لن ازعجكي اكثر.."
" لا حسام انا احبك اكثر"فأجابته
وحدق بها بدهشة.. وكاد قلبه يطير فرحا.. احقا ما سمعه! هل هو حلم!
واحمرت وجنتا ندى بشكل! فقد قالت تلك الكلمة وخرجت من اعماق فؤادها.. شعرت بخجل.. وتركته حتى من دون سلام
لكنه كان فرحا ولم يصبر اكثر.. وفي نفس اليوم تقدم ليخطبها من عمها.. فقد كانت ندى يتيمة
ووافق العم.. بعد ان رأى مدى التزام وثقافة حسام..
وتمت الخطبة والزواج وكانا أسعد زوجين بالعالم!
و مر على زواجهما 6 أشهر وكلما تمر الأيام يزداد حبهما وشغفهما ببعض اكثر واكثر
لكن..
في أحد الأيام.. وبينما كان حسام وندى يتمشيان معا قرب احدى حدائق
بغداد.. انفجرت سيارة مفخخة .. واحتضن حسام ندى بقوة ليحميها بجسده من
الشظايا وتعالت الصرخات في كل مكان
وتطايرت الشظايا هنا وهناك و الصراخ والعويل والأطفال الفزعة يهربون لا يعلمون الى اين
ووقع حسام بعد ان اخترقت
جسده اكثر من شظية.. وندى تحدق به بكل ذهول " لا حسام لا ارجوك ابقى معي!
ارجوك!" ابتسم قليلا ليهديء من روعها.. ومات وهي تعانقه وتتوسل ان يأخذها
معه .. وتغطى جسمها بدمه.. ولم يعد هناك اي روح به.. او بها..فقد مات هو
بجسده.. وماتت هي بروحها الذي رحل من غير رجعة..
هذا..هو الحب ببغداد..
مقتبسة من قصة حقيقية